الديانات[عدل]
كان تساهل المغول للديانات إلى حد بعيد، وكانوا يرعون كذا ديانة بنفس الوقت. بزمن جنكيز خان تقريبا كل ديانة وجدت لها متحولون، البوذية للمسيحية والمانوية للإسلام، ولمنع النزاعات أنشأ جنكيز خان نظام للتأكد من الحرية الكاملة للمعتقدات الدينية. مع أنه هو نفسه يؤمن بالسحر والأرواح، وخلال حكمه أعفى زعماء الطوائف الدينية من الضرائب[108] والخدمة العامة، بالبداية كانت هناك قلة بأماكن العبادة بسبب نمط الحياة البدائي ولكن خلال حكم أوقطاي خان تم بناء الكثير من المعابد ودور العبادة في قراقورم العاصمة لأصحاب الديانات البوذية والإسلام والمسيحية والطاوية، والدين السائد بذاك الوقت كان المسيحية حيث أن زوجة أوقطاي خان كانت مسيحية[109] وأيضا أخوتها الذين سهلوا نشر الدين.
البوذية[عدل]
دخل البوذيون تحت حكم الإمبراطورية المغولية في أوائل القرن الثالث عشر، وكانوا يُعاملون كما باقي الشعوب والأديان من حيث العبئ الضريبي وغيره من الواجبات والحقوق، إلا أن المعابد والأديرة البوذية في قراقورم كانت معفاة من دفعها، كما رجال الدين. أعترف بالبوذية دينا رسميّا بعد وقت قصير من هذه الفترة. ازدهرت جميع المذاهب البوذية بداخل الإمبراطورية، مثل البوذية الصينية، التبتية، والهندية، على الرغم من تفضيل تلك التبتية خلال عهد مونكو خان، حيث قام الأخير بتعين أحد الكهنة من كشمير زعيما على جميع الكهنة البوذيين.
عندما أصبح ابن أوقطاي وشقيق جويوك، "قوتن"، حاكما على نينغشيا وقانسو، أطلق حملة عسكرية إلى التبت لاحتلالها. قام الجنود المغول عند وصولهم بحرق وتدمير المعالم البوذية، وكان ذلك عام 1240، وقد جعلت هذه الحادثة الأمير قوتن يؤمن بان لا قوة على وجه الأرض تقدر أن تهزم الجيش المغولي، إلا أنه آمن أيضا بأن وجود الدين أمر ضروري ليعرف المرء أين سينتهي به المطاف في الحياة الأخرى، لذا دعا إليه المعلّم الروحي "سكيا بانديتا"، فأعجب بتعاليمه وبمعرفته، وفي وقت لاحق تحول إلى البوذية فأصبح أول أمير مغولي بوذي.
كذلك، كان قوبلاي خان، مؤسس أسرة يوان، معجبا بالبوذية، فمنذ أوائل عقد 1240، اتصل براهب يُدعى "هايون" وهو أحد معلمي مدرسة زن البوذية، وجعله مستشاره، وقد قام الأخير بمساعدة قوبلاي على انتقاء اسم لولده الذي أصبح فيما بعد خليفته على عرش أسرة يوان، وكان الاسم هو "زينجين" الذي يعني حرفيّا "الذهب الأصيل". أقنعت خاتون تشابي زوجها قوبلاي ليتحول إلى البوذية، وتلقت التعاليم اللازمة التي أثرت فيها بشكل كبير، على يد "دراغون شوغيال فابكا"، أحد المعلمين الروحيين من التبت، الذي قام قوبلاي بتعينه لاحقا معلما للولاية، وللإمبراطورية فيما بعد، فأعطاه السلطة على كامل الكهنة البوذيون في أراضي سلالة يوان. أما في بقية أراضي يوان في منغوليا والصين، فإن اللاما التبتيون كانوا أكثر رجال الدين البوذيين تأثيرا على الشعب حتى عام 1368، إلا أن التقاليد النصيّة البوذية الهندية كانت تؤثر أيضا على الحياة الدينية في الصين خلال عهد أسرة يوان.
اعتنق الإلخانات في إيران مذهب "باغمو غرو با" كما فعل أمرائهم الاقطاعيين في التبت، وكانوا يرعون ببذخ عددا من الكهنة الهنود، التبتيون، والصينيون. وفي عام 1295، اضطهد السلطان محمود غازان البوذيين ودمر معابدهم، مع إنه كان قد بنى معبدا بوذيا في خراسان قبل اعتناقه للإسلام. أظهرت الكتابات الأدبية البوذية من القرن الرابع عشر، والتي عُثر عليها في خانة قيتاي، أظهرت كم كانت هذه الديانة شائعة بين المغول والأويغور. حاول توقطاي خان، زعيم القبيلة الذهبية، أن يُشجع الزعماء الروحيين البوذيين على الاستقرار في روسيا،[110] إلا أن سياسته هذه أوقفها وبددها خليفته محمد أوزبك خان.
المسيحية[عدل]
شاهد قبر نسطوري يعود لقرابة عام 1312 عُثر عليه في بحيرة "إيسيك كول".
تأثر بعض المغول بتعاليم مبشر كنيسة المشرق منذ حوالي القرن السابع، وتحول القليل منهم إلى المذهب الكاثوليكي على يد المبشر "يوحنا المونتيكورفيني" الذي أرسلته الدولة البابوية إلى تلك البلاد.[111]
تربّى الكثير من الخانات على أيدي أمهات وأولاياء مسيحيون، على الرغم من أن الدين لم تكن له مكانة عليا أو جوهرية في الإمبراطورية المغولية. من المغول المسيحيين المعروفين: سورغاغتاني بكي، زوجة ابن جنكيز خان، ووالدة الخاقانات الكبار، مونكو،قوبلاي، هولاكو، وعريق بوكه؛ سرتاق، خان القبيلة الذهبية، دوقوز خاتون، والدة أباقا خان؛ كتبغا، قائد القوات المغولية في بلاد الشام، والذي تحالف مع الصليبين لمحاربة العرب المسلمين. كذلك كان هناك عدد من المصاهرات مع حكام غربيون، مثل زواج أباقا عام 1265 بماريا باليولوج، ابنة الامبراطور البيزنطي ميخائيل الثامن باليولوج، كذلك فقد تزوج غيره من الخانات بنساء غربيات. حوت الإمبراطورية المغولية أراضي الكنيسة الأرثوذكسية الشرقية في روسيا والقوقاز، الكنيسة الرسولية الأرمنية في أرمينيا، وكنيسة المشرق في آسيا الوسطى وفارس.
شهد القرن الثالث عشر محاولات إبرام صفقات مع أوروبا المسيحية وكانت أول محاولة عند نشوء الحلف المغولي الفرنسي، عندما أخذ الطرفان يتبادلان السفراء والتعاون العسكري في الأراضي المقدسة حتى، حيث أرسل الإلخان أباقا وحدة عسكرية لدعم الحملة الصليبية التاسعة عام 1271، وكذلك زار الرحالة المغولي النسطوري "ربان بار صوما" بعض البلاطات الأوروبية ما بين عاميّ 1287 و1288. إلا أنه في هذا الوقت، كان الإسلام قد أخذ يتجذر في الأراضي المغولية، وبدأ البعض منهم الذي كان نصرانيّا بالأساس، باعتناق الإسلام، مثل تكودار.[112] بعد أن تم انتخاب كاهن قوبلاي خان، "مار يابلاّها الثالث"، كاثوليكوس الكنيسة الشرقية عام 1281، أخذت الإرساليّات الكاثوليكية تتوافد على جميع العواصم المغولية.
الإسلام[عدل]
رسم فارسي يُظهر لحظة تحوّل محمود غازان من البوذية إلى الإسلام.
القديس "ألكسندر نفيسكي" يقف بالقرب من شامان مغولي في القبيلة الذهبية، بريشة "هنريك سميرادزكي".
كان المغول يوظفون العديد من المسلمين في مجالات مختلفة من العمل، وكثيرا ما كانوا يأخذون بنصيحتهم فيما يتعلق بالمسائل الإدارية، فأصبح المسلمون إحدى طبقات المسؤولين المفضلة عندهم، إذ أنهم كانوا مثقفين ويجيدون التركية والمنغولية. من المغول المعروفين الذين تحولوا إلى الطائفة السنية الإسلامية: مبارك شاه حاكم خانة قيتاي، تودا منغو حاكم القبيلة الذهبية، ومحمود غازان حاكم الإلخانات. كان بركة خان، الذي حكم القبيلة الذهبية بين عاميّ 1257 و1266، أول قائد مغولي مسلم للخانات المغولية.
يُعتبر محمود غازان أول خان مسلم جعل من الإسلام الدين الرسمي للإلخانات، وتلاه السلطان محمد أوزبك حاكم القبيلة الذهبية، والذي كان يُشجع رعاياه على اعتناق الدين الجديد. استمر المغول في خانة قيتاي بنمط حياتهم المرتحل، معتنقين البوذية والأرواحية حتى عقد 1350، وعندما اعتنق القسم الغربي من الخانة الدين الإسلامي، بقي القسم الشرقي من بلاد المغول دون أسلمة حتى عهد "توغلوق تيمور خان" (1329/30-1363)، الذي اعتنق الإسلام مع الآلاف من رعاياه.
كان هناك عدد كبير من المسلمين الأجانب في أراضي أسرة يوان، خلال عهد قوبلاي خان، على الرغم من أنها، لم تعتنق الإسلام، على العكس من الخانات الغربية. كان قوبلاي وخلفائه مطلقين حرية ممارسة الشعائر الدينية في أراضيهم، على الرغم من أن البوذية كانت هي الديانة السائدة وأكثر الأديان تأثيرا على الناس في تلك المنطقة من العالم. استمر الاتصال بين اليوانيون والدول الإسلامية في شمال أفريقيا، الهند، والشرق الأوسط، حتى منتصف القرن الرابع عشر. كان المغول يُصنفون المسلمين على أنهم من طبقة "السيمو"، أي أنهم أدنى درجة من المغول ولكن أعلى مرتبة من الصينيين. يقول عالم الإنسان "جاك وذرفورد"، أنه كان هناك أكثر من مليون مسلم يقطنون أراضي أسرة يوان.
الأرواحية[عدل]
كانت الأرواحية، ذات الممارسة الإحيائية بالمعاني والشخصيات المختلفة، منتشرة بشكل كبير في آسيا الوسطى القديمة وسيبيريا. كان الفعل المركزي في العلاقة بين الطبيعة والإنسان يتمثل في عبادة الجنة الزرقاء الأبدية العظيمة - "السماء الزرقاء" (بالمنغولية: Хөх тэнгэр, Эрхэт мөнх тэнгэр). أظهر جنكيز خان أن قواه الروحية أكبر وأعظم من قوى أي شخص أخر، وأنه هو نفسه موصل الجنة بالأرض، وذلك بعد إعدام الشامان المنافس له المسمى "تب تنغري كوخشو".
كان بعض الخانات، مثل باتو، دوا، كيبك، وتوقطاي، يحتفظون بحشد كبير من الشامانات الرجال، الذين كانوا يقسموهم إلى "بيكيون" وغير ذلك، وكان البيكيون يُخيمون أمام قصر الخان الكبير بينما يبقى شامانات أخرون خلفه. كان الشامانات يتقدمون الجيوش المغولية ويقومون بطقوس سحرية متعلقة بالطقس لتحويله إلى ما يُلائم الجنود، على الرغم من المراقبات الفلكية التي كانت تتم قبل ذلك، ووجود تقويم دقيق للشهور. كان الشامانات يلعبون دورا سياسيا مهما خلف كواليس البلاط المغولي.
بقي محمود غازان يُمارس بعض طقوس الأرواحية المغولية، بعد اعتناقه الإسلام، فنسخة قانون الياسا كان يُبقيها في مكانها، كما سمح للشامانات بالبقاء في الإلخانات حيث بقوا محتفظين بنفوذهم السياسي طيلة عهده وعهد محمد أولجايتو. إلا أن ممارسة التقاليد الأرواحية المغولية القديمة، أخذت بالاضمحلال بعد وفاة أولجايتو واعتلاء حكّام للعرش يطبقون الشريعة الإسلامية بشكل كامل. زالت كل سلطة كانت للشامانات عند أسلمة الإلخانات، ولم تعد لهم أهمية تذكر، كما كان في السابق، إلا أنهم استمروا بممارسة الطقوس الدينية إلى جانب النسطوريين والكهنة البوذيين في أراضي أسرة يوان.
النظام البريدي[عدل]
رسالة من أولجايتو إلى فيليب الرابع ملك فرنسا عام 1305.
كان النظام البريدي لدى الإمبراطورية متقدم وفعال بالنسبة لزمانهم ويسمى "اليام"، وكان السعاة مهيئين بالطعام والملابس اللازمة وأحيانا يزودون بخيل إضافية ليغطوا جميع أنحاء الإمبراطورية المترامية الأطراف. فهو يسافر لمسافة 25 ميل بالمرحلة الواحدة ومن ثم له الحرية إما أن يغير حصانه بحصان جديد ويكمل المسير أو يسلم البريد لمراسل آخر فيكمل عنه الطريق. هذا النظام استخدم لاحقا بالولايات المتحدة لفترة بسيطة ويسمى "بوني اكسبرس" (بالإنجليزية: Pony Express).[43] كان الجوال المنغولي يسافر لمسافة 125 ميل باليوم وهذا أسرع من أسرع تسجيل للبوني اكسبرس الذي أتى بعده بحوالي 600 سنة.
يُقال بأن جنكيز خان وخليفته أوقطاي شقا العديد من الطرق، وإن إحدى الطرق التي شقها الأخير عبرت سلسة جبال ألتاي، كما قام بعد تتويجه بتظيم شبكات الطرق وأمر خانة قيتاي والقبيلة الذهبية بوصل الطرق ببعضها في القسم الغربي من الإمبراطورية المغولية،[113] وكي يُخفف الضغط على الأسر التي كان السعاة ينزلون عندهم للراحة، قام بإنشاء عدد من المراكز الخاصة لهذا الغرض تبعد عن بعضها 40 كم (25 ميل). كان يُسمح للأشخاص الحاملين رخصة فقط بإعادة التزود بمستلزماتهم من هذه المراكز، إلا أن أولائك الحاملين لأغراض ونوادر عسكرية، فكان يُسمح لهم باستخدام "اليام" بدون رخصة. وصل نبأ وفاة الخان الكبير من قراقورم بمنغوليا إلى جيوش باتو خان في أوروبا الوسطى، خلال 4 أو 6 أسابيع بفضل نظام اليام.[114] منع منكو خان استغلال المغول ذوي النفوذ لهذا النظام تحقيقيا لمصالحهم الشخصية عندما تولى مقاليد الحكم.
قام قوبلاي خان، مؤسس سلالة يوان، ببناء مراكز راحة ومناوبة خاصة بالمسؤولين الكبار، وكذلك مراكز عادية. كان النظام البريدي اليواني يتألف، خلال عهد قوبلاي، من قرابة 1,400 مركز للبريد، يستخدم حوالي 50,000 حصان، 8,400 ثور، 6,700 بغل، 4,000 عربة، و 6,000 قارب،[115] وفي منشوريا وجنوب سيبيريا، كان المغول يستعملون زحافات تجرها الكلاب لايصال البريد. ومن جهة أخرى، قام محمود غازان، حاكم الإلخانات بإعادة استعمال نظام المناوبة المتضعضع هذا، على نطاق ضيق، فأنشأ بضعة مراكز راحة وإعادة تموين، وجعل المبعوثين الإمبراطوريين فقط يتلقون المنح. كان الأمراء المتحدرين من جنكيز خان يمولون نظام المناوبة عندهم عن طريق ضريبة خاصة مفروضة على المربى. يُعرف أن بعض الخانات المغول الكبار عادوا لاستعمال نظام اليام بين عاميّ 1304 و1305.
الاقتصاد[عدل]
النظام الإقطاعي[عدل]
كان كل عضو من الأسرة الذهبية يُعيّن إقطاعيّا في قسم محدد من الإمبراطورية المغولية، تماما كما كان النبلاء المغول وعائلاتهم والمحاربين، يحصلون على قسم معين من الغنائم الحربية. في عام 1206، قدّم جنكيز خان أراض كبيرة بما عليها من مزارعين وفلاحين، لأفراد أسرته ورفاقه المخلصين، الذين كان معظمهم من أصول غير نبيلة، أما الغنائم فقد قام بتوزيعها بشكل أكثر وسعا، حيث حصلت الإمبراطورات، الأميرات، والخدم الجديرين، بالإضافة لأولاد المحظيات، على حصص كاملة من الغنائم بما فيها أسرى الحرب.[116] بعد الغزو المغولي لشبه جزيرة القرم عام 1238، أخذت المدن الساحلية تدفع رسوما جمركية للأمراء المتحدرين من جنكيز خان، الذين اقتسموها فيما بينهم في منغوليا وفقا لتراتبية النظام الاقطاعي.[117] كان الإلخانات في بلاد فارس والقوبلانيين في آسيا الشرقية، بوصفهم حلفاء مخلصين لبعضهم البعض، يرسلون ويتلقون رجال دين، أطباء، فنانون، باحثون، مهندسون، وإداريون، كل من إقطاعات الطرف الآخر.
بعد أن قام جنكيز خان (1206-1227) بتوزيع أراضي الرُحّل في منغوليا وشمال الصين وتقسيمها بين والدته "هولن"، أخوه الأصغر "تيموجي"، وأفراد أخرون من أسرته؛ والمقاطعات الصينية في منشوريا بين أشقائه الأخرون، قام ابنه أوقطاي بتوزيع أراض أخرى في شمال الصين، خوارزم، وبلاد ما وراء النهر، بين أفراد من القبيلة الذهبية، أصهرته، والقوّاد الكبار، وكان ذلك بين عاميّ 1232 و1236. قام الخان الكبير "مونكو" بتوزيع الاقطاعات في بلاد فارس وأعاد توزيعها في آسيا الوسطى بين عاميّ 1251 و1256.[118] امتلك خانات قيتاي بلدتيّ "كات" و"خوارزم" في الدولة الخوارزمية، بالإضافة لبعض المدن والقرى في محافظة شانشي الصينية وفي إيران، على الرغم من أن خانتهم كانت أصغر الخانات حجما، وامتلاكهم لأراضي خاصة بهم في منغوليا.[116] كان الإلخان الأول "هولاكو" يمتلك 25,000 أسرة من صانعي الحرير في الصين، أودية في التبت، بالإضافة لعدد من المراعي، الحيوانات، والرجال، في منغوليا؛[116] وقد قام محمود غازان، المتحدر من سلالته، بإرسال مبعوثين يحملون هدايا قيمة إلى تيمور خان، حاكم أراضي أسرة يوان، مطالبا بالحصص التي كانت مخصصة لجده الكبير من تلك المنطقة منذ زمن، وكان هذا عام 1298، ويُقال أن غازان تلقى الحصص التي طلبها، والتي كانت من حقه، بعد أن توقفت عن الوصول إلى فارس منذ عهد مونكو خان.[119]
كان الإقطاعيون من المغول وغير المغول يُطالبون عمّالهم وفلاحيهم بعائدات مفرطة للغاية، ولا يدفعون أية ضرائب بالمقابل. وبناءً على اقتراح الوزير القيتايي العبقري "يلو شوكاي"، سمح أوقطاي خان للنبلاء بتعيين محصلي ضرائب وقضاة تابعين لاقطاعاتهم، لكي يقوموا بنفسهم بتحصيل الضريبة دون إذن من الخان الكبير، بدلا من تقوم الدولة بتحصيلها بشكل مباشر. قام كل من جويوك ومونكو بتقييد الحكم الذاتي للإقطاعات بعد وفاة أوقطاي، أما قوبلاي خان، فقد سار على خطى سلفه وتشريعاته إلى حد ما. منع محمود غازان الإقطاعيين في الإلخانات من إساءة استعمال سلطتهم، كما قام عضو المجلس اليواني "تيمودر" بتقييد حقوق النبلاء في الصين ومنغوليا.[120] ألغى خليفة قوبلاي، تيمور، إدارات صهر ملك أسرة غوريو الكوري "شانغنيول"، التي بلغ عددها 358 إدارة وتسببت بضغط مالي على الشعب الكوري، على الرغم من أن تلك البلاد تمتعت بالحكم الذاتي ولم تكن تحت الحكم المباشر للمغول.[121]
تضرر النظام الإقطاعي بشكل كبير خلال الحرب الأهلية بالإمبراطورية المغولية التي امتدت بين عاميّ 1260 و1304،[119][122] إلا أن النظام بقي مستمرا لبعد هذه الفترة على الرغم من ذلك، فقد سمح أباقا حاكم الإلخانات لمونكو تيمور حاكم القبيلة الذهبية، أن يقوم بجباية أرباح مصانع الحرير بشمال بلاد فارس عام 1270، كما قام "برقة"، حاكم خانة قيتاي، بإرسال وزيره المسلم إلى الإلخانات ليتفقد أحوال إقطاعاته هناك ظاهريّا، عام 1269، إلا أن مهمته الأساسية كانت التجسس على تلك الخانة.[123] عاد النظام الإقطاعي ليتعافى بعد أن أبرم المغول معاهدة السلام مع بعضهم عام 1304. خلال عهد "جاياتو خان"، تلقى البلاط اليواني ثلث أرباح الزراعة والصناعة والتجارة من المدن والأراضي الموجودة ببلاد ما وراء النهر الخاضعة لحكم الخانات القيتايين، بينما تلقى النخبة من هؤلاء، مثل "إلجيقطاي"، "دوا تيمور" و"تارماشيرين خان"، هدايا قيمة ومشاركة لأسرة يوان في رعاية المعابد البوذية.[124] حصل جاياتو خان على بعض الأسرى الروس من أمير قيتاي "غانشي" كذلك الأمر، كما حصلت زوجة قوبلاي الخان المستقبلية في ذلك الحين، على خادمها "أحمد فنكاتي" من وادي فرغانة بإيران، قبل أن تتزوج.[125] في عام 1326 عادت القبيلة الذهبية لترسل الجزية إلى خانات أسرة يوان العظام مجددا، وبحلول عام 1339، كان محمد أوزبك يتلقى سنويا 24 ألف دينغ بالعملة الورقية، من إقطاعييه الصينين في مقاطعات شانشي، شيلي، وخونان.[126] يقول المؤرخ "هـ هـ هاورث" أن مبعوث أوزبك كان يُطالب بحصص زعيمه من البلاط اليواني، مركز العالم المغولي، كي يتمكن الأخير من إنشاء مراكز بريد جديدة، وكان ذلك عام 1336،[127] ولم يتوقف هذا الأمر إلا عندما تفككت الدولة المغولية وتحللت، بعد أن أخذ الخلفاء يتقاتلون فيما بينهم وأخذت الخانات المغولية تثور وتنفصل الواحدة تلو الأخرى.[معلومة 3]
العملة[عدل]
أنتم تستخدمون الناس في العبودية. والناس لم يولدوا ليكونوا عبيدا. لهذا، دعوني أصنع لكم شيئا يُدعى "المال". استخدموا المال ليكون عبدا لكم.
—جنكيز خان[128]
أذن جنكيز خان قبل وفاته عام 1227، باستخدام العملة الورقية، التي كانت مدعومة بالعديد من أنواع المعادن الثمينة والحرير.[129] استخدم المغول السبائك الفضية الصينية كعملة موحدة للحساب العام، بينما قاموا بتعميم العملة الورقية في الصين والعملة المعدنية في المناطق الغربية من الإمبراطورية، مثل أراضي القبيلة الذهبية وخانة قيتاي. أصدرت الحكومة المغولية في عهد أوقطاي خان، نقدا ورقيا مدعما باحتياطي الحرير، كما أسست إدارة مسؤولة عن إتلاف الوحدات القديمة منها.[130] أنشأ مونكو خان عام 1253 إدارة مسؤولة عن الشؤون النقدية لتتحكم بإصدار العملة الورقية، وذلك كي يُلغي مسألة الإصدار الزائد الت كان يقوم بها النبلاء المغول وغير المغول منذ عهد الخان الكبير أوقطاي.[131] أدت هذه السياسة إلى إنشاء قياس موحد للعملة، مبني على السوخي أو السبائك الذهبية، إلا أن المغول سمحوا لرعاياهم بصك عملتهم الخاصة في الولايات المختلفة، واستخدام نفس وحدات القياس التي كانوا يستخدمونها تقليديّا.[132] خلال عهد أوقطاي، جويوك، ومونكو، ارتفعت نسبة ضرب العملات المعدنية بالذهب والفضة في آسيا الوسطى، وبالنحاس والفضة بالقوقاز، إيران، وجنوب روسيا.[133]
أصدرت أسرة يوان، أثناء عهد قوبلاي خان، عملة ورقية مدعومة بالفضة بالإضافة لنقود معدنية نحاسية. كتب ماركو بولو يقول أن العملة في ذلك العهد كانت تُصنع من لحاء شجر التوت. ساعد توحيد العملة الورقية بلاط يوان على جباية الضرائب بصورة نقدية وتقليص عبئ التكاليف الضريبية على البضائع، كما حدث في عهد مونكو خان، إلا أن سكان الغابات في منشوريا وسيبيريا استمروا بدفع ضرائبهم للمغول بضائعا أو سلعا معينة.[134] استخدمت عملة "الكاو" في أراضي أسرة يوان فقط، وقد حاول الإلخان "غايخاتو" أن يُصدر عملة خاصة بأراضيه أيضا بالشرق الأوسط عام 1294، تيمنا باليوانيين، إلا أنه فشل بهذا. كان حكام القبيلة الذهبية، خانة قيتاي، والإلخانات يضربون عملاتهم الخاصة بالذهب، الفضة، والنحاس.[135] مكّنت إصلاحات محمود غازان المالية الخانات بإصدار نقد موحد مبني على نظام المعدنين في الإلخانات.[136] قام خان قيتاي "كيبك" بتجديد سك النقود المعدنية المدعومة باحتياطي الفضة وأنشأ نظاما نقديّا موحدا في جميع أنحاء أراضيه.
شبكات التجارة[عدل]
رسم من عام 1287 للأسقف يوحنا القيليقي بأرمينيا، وهو يرتدي ثوبا يظهر عليه تنينا صينيّا، وهذا دليل على التجارة المزدهرة التي كانت سائدة آنذاك في الإمبراطورية المغولية خلال عهد قوبلاي خان (1260-1294).
احترم المغول التجارة والعلاقات التجارية مع القوى الصناعية المجاورة، واستمرت تلك السياسة خلال الغزوات والتوسع بدولتهم. معظم التجار والسفراء لهم ترخيص خاص ووثائق للسفر للعبور خلال المملكة مع الحماية المطلوبة، وقد ازدادت التجارة البرية بشدة خلال القرنين الثالث عشر والرابع عشر، وازداد التجار الأوروبيين بالمئات وربما الآلاف بالعبور من أوروبا إلى بلاد الصين البعيدة، ولكن لم يعرف منهم إلا ماركو بولو الذي كون علاقات بكثرة أسفاره وعرف الطرق المؤدية من حوض البحر الأبيض المتوسط إلى الصين. بالنسبة للتجارة البحرية فالمغول كانوا قليلي الاهتمام بها.
كان جنكيز خان يشجع التجار الأجانب على المرور في أراضيه قبل أن يوحد قبائل المغول، حيث أنهم كانوا يفيدونه بمعلومات عن الحضارات والثقافات المجاورة، ويلعبون دور الدبلوماسيين والتجار الرسميين لإمبراطوريته، حيث كان جنكيز خان وأسرته يزودوهم برؤوس الأموال ويرسلوهم إلى خوارزم، ومنذ ذلك الوقت، حتى أخذت هذه "التجارة المشتركة" تزدهر، واستمرت على هذا المنوال تحت حكم أوقطاي وجويوك. كان التجار يزودون القصور الملكية بالملابس، الطعام، وغير ذلك من المؤن، وقام الخانات بالمقابل بإعفائهم من الضرائب وسمحوا لهم باستخدام مراكز إعادة التموين والراحة عبر أنحاء الإمبراطورية، وكان التجار أيضا يجمعون الضرائب للخان الكبير في الصين، إيران، وروسيا، وبحال تعرّض أي تاجر للسرقة من قبل قاطعي الطرق، فإن الخان كان يُعوض عليه خسارته من الخزينة الملكية. أصدر الخانات الكبار وشركائهم من التجار (المسلمين والأويغور إجمالا) ضربية فضية بمعدل فائدة غير ثابت كذلك الأمر. حاول مونكو خان أن يحد من استغلال الخانات وشركائهم للتجارة، بسبب انتشار غسيل الأموال وفرض ضرائب باهظة على اليام، فأمر بالإشراف على التجار، ثم فرض عليهم جميعا أن يدفعوا ضرائب تجارية وملكية. كان مونكو أيضا يدفع جميع الكمبيالات المسحوبة الخاصة بنخبة المغول، إلى التجار. استمر تطبيق سياسة مونكو خان في عهد أسرة يوان وعلى أراضيهم، أما هولاكو وولده أباقا من بعده فقد رفضوا ان يتدخل المسؤولين العاملين تحت إمرتهم بعلاقتهم مع التجار من الشرق الأوسط. كان بلاط الإمبراطورية المغولية يُشجع التجار، سواء كانوا صينيين، هنود، فرس، من آسيا الوسطى، أو بائعون هانزيون، على التجارة بداخل أراضي جميع الخانات. وفي عام 1267، منح مونكو تيمور التجار الجنويين والبندقيين حقا حصريا باستلام أسواق مدينة كفّا وأزوف، كما سمحت القبيلة الذهبية للتجار الألمان بالتجارة في جميع أنحاء أراضيها، بما فيها الإمارات الروسية في عقد 1270.
إنهار اقتصاد الإمبراطورية المغولية في أواخر القرن الرابع عشر، بسبب تفككها سياسيّا والإجهاد الذي تعرضت له أوروبا وآسيا بعدما ضربتهما عدّة موجات من الموت الأسود، فأصبح المرور عبر منغوليا أكثر خطورة بكثير عما كان عليه في السابق - كما كان الحال في آسيا الوسطى قبل توحيدها على أيدي المغول، وبالتالي، فقد اختار الكثير من التجار طرق بديلة للوصول إلى الجنوب.[137]
مناطق نجت من الغزو المنغولي[عدل]
هناك خمس مناطق بالعالم نجت من الغزو المنغولي وهي الهند الصينية جنوب آسيا اليابان وأوروبا الغربية والمنطقة العربية، وأهم مدينتين نجتا مع أنهما كانا على شفا حفرة من التدمير هما فيينا والقدس التي نجت كليهما بسبب موت الخان العظيم، مما أدى إلى سحب معظم الجيوش المرابطة إلى العاصمة قراقورم.
أوروبا الغربية[عدل]
حينما تمدد المغول داخل بولندا وظهر التهديد الخطير للنمسا بدا إنه لن يستطيعوا دخول أوروبا أكثر من ذلك، السبب الرئيسي حسب تحليلات المفسرين هو أنه خلال عمليات استطلاع للمغول داخل النمسا استعدادا لغزوها وصلتهم الأنباء بموت الإمبراطور أوقطاي خان بتاريخ 11 ديسمبر 1241. وحسب الأعراف المنغولية يجب على جميع القادة والزعماء التوجه إلى العاصمة قراقورم لاختيار خليفة للخان، كان الاعتقاد العام في أوروبا إن التوقف كان مؤقتا ولكن يبدو أن الخان الجديد كان له نظرة أخرى، حيث أنه وجه اهتمامه باتجاه الصين ولم يريد التمدد على أوروبا. نجاح خطط سوبوتاي العسكرية المطبقة بأوروبا بشكل مدمر جعلت الإمبراطور جويوك خان يعيد تعيينه لقيادة الجيوش التي على الحدود الصينية.[43]
قوة وتأثير الجيوش الصينية المنتشرة كان شبه مدمر للمغول في حصارهم للمدن، فضلا عن التكتيكات كالتي طبقت في معركة موهي ضد المجريون لايمكنها التطبيق هنا بدون قائد فذ أو السلاح المطلوب وهنا كان اختيار سوبوتاي خان لقيادة الجيوش الشبه متعثرة بالصين. الغزوات المتكررة للقائد المغولي نوكاي خان بن باؤل بن جوشي بن جنكيز خان في أعوام 1284، 1285، و1287، وإن كانت أكثر وحشية ودموية وتحمل سوء نية للمدن الأوروبية الغير محصنة إلا أنها لم تكن مثل نجاح سلفه سوبوتاي خان في اجتياح أوروبا.
ظهر جليا أن النية لدى المغول هي اجتياح الصين وأخذها خاصة بعد موت مونكو خان سنة 1259 ولذلك تم سحب الكثير من الوحدات العسكرية من الجبهة الغربية لدخول البوابة الجد الصعبة باجتياحهم مملكة سونج الصينية، بالواقع تلك الحرب المنغولية الصينية كانت من أكثر الحروب كلفة وخسائر بالأرواح بتاريخ الدولتين واستمرت قرابة 65 سنة.
الإجابة الواقعية لسبب توقف المغول بعد معركة موهي وتحطيمهم الجيش المجري هو عدم رغبتهم للذهاب أبعد من ذلك،[138] فباتو خان قد كون مملكته في روسيا وأمنها لعشر أجيال لاحقة، وعند موت الخان رجع بسرعة إلى العاصمة ليطالب بالحكم، مما سبب بتدهور العلاقة مع ابن عمه جيوك خان ووصلت إلى مرحلة النزاع المسلح بينهما، بعد عام 1260 لم يستطع المغول توحيد جيوشهم للتوجه لأوروبا أو مصر، فباتو خان كان يخطط للوصول للمحيط أطلسي أو بحر الظلمات ولكنه مات عام 1255[43][138] وورث ابنه حكم القبيلة الذهبية ولكن لم يدم طويلا حتى مات ثم أتى بركة خان أخو باتو خان فقضى أكثر وقته بقتال ابن عمه هولاكو فهدأت الأحوال بأوروبا بعد ذلك.
الهند الصينية واليابان[عدل]
فيتنام منطقة لم يدخلها المغول بالمرة، بل وحاولوا غزوها ثلاث مرات وبكل مرة كان يتلقون هزيمة قاسية من الفيتناميين بالأعوام 1257، 1285، 1287\1288. اليابانيون أيضا صدوا حملات عسكرية ضخمة بالأعوام 1274 و1281 حيث كان حاكم اليابان "هوجو توكيمون" يُعيد مبعوثي المغول بدون إجابة في الكاماكورا وحتى لم يكن يسمح لهم بدخول اليابان، فأرسل قوبلاي خان أول حملة ففشلت بسبب العواصف والمقاومة الشرسة التي أبداها الساموراي، فأرسل مبعوثين للحاكم فقتلهم، ثم أرسل مرة أخرى فقتلهم أيضا،[139] فأرسل المغول أسطول لكنه لم يكن مؤهلا لمواجهة العواصف التي تمر ببحر اليابان مماتسبب بغرق أغلب سفنه عندما واجه إعصارا وموت الكثير من جند المغول. لكن ذلك لم يكن يثني الإمبراطور للمحاولة لغزو اليابان وحتى فيتنام وكانت النتائج كما هي: المقاومة الشرسة واندحار جيوشه باليابان وتمنّع فيتنام.[138]
جنوب آسيا[عدل]
استطاع الهنود دحر المغول الغزاة بذلك الوقت، عندما كانت سلطنة دلهي تحكم شمال الهند، وبالرغم من مفاجئة المغول للبنجاب ودخولهم لها ثم التوجه صوب دلهي عاصمة السلطنة ولكنها لم تكن محاولة ناجحة فالسلطان غياث الدين بلبن وهو من سلاطين مماليك الهند استطاع أن يبقيهم بجوار الخليج وأعادهم منهزمين. المؤرخ "جون كاي" أرجع انتصار الهنود إلى المقدرة والمزاوجة بين كتيبة الفيلة ومقدرة فرسان آسيا الوسطى على المناورة وسرعة الحركة وكانوا تحت إمرة الحاكم. من عجائب القدر أن المغول عادوا بعد 300 سنة بقيادة بابر التيموري الذي يرجع بسلالته إلى جنكيز خان واحتلوا شمال الهند وأسسوا امبرطورية المغول بالهند. يُلاحظ أن التضاريس الصعبة والحواجز الطبيعية التي داهمت المغول بغزوهم الهند هي نفسها التي أصابتهم باليابان ومنعتهم من تكرار المحاولة ولعبت دورا للمساعدة المطلوبة ضد المغول.
المنطقة العربية[عدل]
طالع أيضًا: حصار بغداد 1258 غزوات المغول للشام غزوات المغول على فلسطين
آخر منطقة قاومت المغول كانت الشام، عندما نجح المماليك في صد المغول عن الشام وبدعم من بركة خان أو بركة خان كما يسميه المؤرخون العرب (وهو مسلم) الذي تحالف معهم بعد أن أثار ابن عمه هولاكو غضبه بتدميره بغداد، وقد أرسل إلى الخان العظيم أن يطلب هولاكو للمحاسبة على قتله للخليفة العباسي وذبح أهلها المسلمين.[140] وقد كانت مواجهة منغولية / منغولية شرسة، وما أن انتصر المماليك على المغول بعين جالوت عام 1260 حتى اعتبرت تلك الفترة نهاية للمد المغولي في المنطقة العربية.
التقسيم السياسي والدول التابعة[عدل]
الإمبراطورية المغولية قرابة عام 1300. المنطقة الرمادية هي المناطق التي أصبحت فيما بعد الإمبراطورية التيمورية.
كانت إمبراطورية المغول في عهدها الأول تتألف من 5 مناطق أساسية،[141] فبالإضافة لإقطاعات الخانات، كان الإمبراطورية تشمل المناطق التالية:
منغوليا، جنوب سيبيريا، ومنشوريا، التابعة لقراقورم.
شمال الصين والتبت، التابعة لمقاطعة "يانجينغ".
الدولة الخوارزمية، بلاد ما وراء النهر، وواحات صحراء "هامي"، التابعة لمقاطعة بشبالق.
بلاد فارس، جورجيا، أرمينيا، قيليقية، وتركيا السلجوقية، التابعة لمقاطعة جيحون.
أراضي القبيلة الذهبية. يقول الباحثان الروسيان "أ.ب غريغورف" و"أ.ب فرولوفا"، أن الأمراء المتحدرين من سلالة جنكيز خان كانوا يمتلكون 10 مقاطعات: 1. خوارزم، 2. دشتي قبشاك، 3. خزاريا، 4. شبه جزيرة القرم، 5. ضفاف أزوف، 6. بلاد الشركس، 7. بلاد البلغار، 8. لشا، 9. ألانيا، 10. أراض روسيّة.[142]
عندما كان جنكيز خان يقوم بغزواته على آسيا الوسطى، حاول أحد قواده الموثوقين، والمدعى "موقالي" (1170-1223)، أن يُنشأ عدد من المحافظات، كما أنشأ بضعة فروع للإدارات الخاصة بتولي شؤون الدولة، إلا أن أوقطاي خان عاد وألغاهم وقام بتقسيم شمال الصين إلى 10 مقاطعات بناءً على اقتراح وزيره الكونفشيوسي "يلو شوكاي"، كما قام بتقسيم الإمبراطورية إلى بضعة إدارات مثل إدارة بشبالق ويانجينغ، وأبقى منغوليا، جنوب سيبيريا، ومنشوريا تابعة لقراقورم إداريّا، وفي أوخر عهده تم إنشاء إدارة جيحون. أعيد تسمية هذه الإدارات لتصبح "الفروع الإدارية" خلال عهد مونكو خان.
قام قوبلاي خان، مؤسس أسرة يوان، بتعديلات جذرية على المقاطعات والمحافظات التي وجدت منذ أيام أجداده، فأنشأ سلالة يوان عام 1271، واتخذ لقب إمبراطور الصين، وعندما تغلبت قواته على أسرة سونغ الجنوبية واحتلت جنوب البلاد، حتى خلع على نفسه لقب إمبراطور كل الصين، لكنه بالمقابل كان قد فقد السيطرة على الخانات الغربية. تمّ تقسيم أراضي أسرة يوان إلى عدد من المناطق بعد وفاة قوبلاي خان.
الدول التابعة ودافعة الجزية[عدل]
كانت إمبراطورية المغول تشمل في أقصى اتساعها: منغوليا، الصين، أجزاء من بورما، رومانيا، باكستان، معظم أو جميع أنحاء روسيا، سيبيريا، أوكرانيا، بيلاروسيا، قيليقية، الأناضول، كوريا، جورجيا، أرمينيا، بلاد فارس، العراق، وآسيا الوسطى. وفي ذلك الحين أصبح الكثير من الدول تابعا للإمبراطورية بشكل اسمي أو واقعي، على الرغم من عدم احتلاله، أو دافع للجزية.
الدول الأوروبية دافعة الجزية[عدل]
دوقيّة ليتوانيا العظمى: كانت هذه الدوقية تابعة للمغول اسميّا فقط، إلا أنهم عادوا وغزوا المناطق الجنوبية منها عام 1241 تحت قيادة الجنرالين "أوردا" و"بورونداي"، وفي عام 1259، نجح "نوغاي خان" زعيم القبيلة الذهبية، و"فاتسواف ياغيلو"، دوق لتوانيا الأكبر وملك بولندا، نجحا بإضعاف "توختاميش"، أخر خانات القبيلة البيضاء، وخلعه من منصبه كالحاكم الأعلى عام 1382، بعد أن زالت أسرة يوان عام 1368. كان مغول القبيلة الذهبية ينظرون دوما إلى الليتوانيين على أنهم من رعاياهم، حيث طالب "توختاميش" الملك الليتواني بأن يجمع الضرائب ليستطيع تمويل حملته على التيموريون.[143]
عدد من الولايات والمقاطعات الروسية، بما فيها جمهورية نوفغورود، بسكوف، وسمولينسك.[144] لم يستطع باتو خان أن يصل للجزء الشمالي من روسيا عام 1239 بسبب وجود العديد من المستنقعات المحيطة ببعض المدن مثل نوفغورد وبسكوف، ولكن ديبلوماسية الأمير ألكسندر نيافسكي، تهديدات المغول، وغزو الفرسان التيوتونيين، أجبرت نوفغورد، وبسكوف لاحقا، على الخضوع للمغول. في عام 1274، خضعت أخر الإمارات الروسية لمونكو تيمور.
الإمبراطورية البلغارية الثانية:[145] حاول البلغار تحت قيادة الإمبراطور "إيفان أسين"، أن يتخلصوا من الحكم المغولي بعد انتهاء غزو المغول لأوروبا، لكن غارات "قادان خان" المستمرة على بلغاريا أثناء تراجعه من أوروبا الوسطى، أقنعت الإمبراطور الشاب، "كاليمان الأول" بدفع الجزية والقبول بسلطان المغول عليه. يُفيد خطاب "بيلا الرابع" ملك المجر، إلى البابا في عام 1254، أن البلغار كانوا لا يزالون يدفعون الجزية للمغول في ذلك الوقت.
مملكة صربيا:[145] أطلق الملك الصربي "ستيفان ميلوتين" حملة عسكرية عام 1288، ليُخضع اثنين من النبلاء البلغار في شمال شرق صربيا، إلا أنهما كانا تابعين لأمير بلدة فيدين البلغاري "ميخائيل أسين"، فهاجم الأخير الملك الصربي لكنه هُزم أمامه، فهاجم ميلوتين بلدة فيدين ونهبها وخرّبها. أثارت هذه الحادثة غضب "نوغاي خان" الحاكم المفروض على القبيلة الذهبية، بما أن أسين كان خاضعا له، فهدد الملك الصربي بمعاقبته على وقاحته، ولكنه عاد وغيّر رأيه عندما أرسل له الأخير بعض الهدايا والرهائن، الذي كان بينهم ابنه نفسه، والذي استطاع الهروب عائدا إلى صربيا بعد وفاة نوغاي خان عام 1299.
دول جنوب شرق آسيا دافعة الجزية[عدل]
داي فييت (فيتنام):[146] غزت الجيوش المغولية أراضي أسرة تران الفيتنامية عام 1257، بعد أن قام الفيتناميون بالقبض على مبعوثين مغول تمّ إرسالهم إلى تلك البلاد للبحث عن طريق إلى جنوب الصين. هزم المغول الجنود الذين تجمعوا للدفاع عن المدن وذبحوا سكان العاصمة "ثانغ لونغ" (هانوي)، فوافق الملك "ثان تونغ" على أن يدفع الجزية لمونكو خان كي يُنجي بلاده من الدمار. تدهورت العلاقة بين الإمبراطورية المغولية وفيتنام بعد أن طالب قوبلاي خان بخضوع هذه الأسرة الكامل، وكان هذا عام 1264.[147] وبعد سلسلة من الغزوات ما بين عاميّ 1278 و1288، خضع ملك داي فييت لسيادة المغول، وفي ذلك الوقت كان كلا من الطرفين قد عانى من خسائر فادحة بسبب الحروب الكبيرة غير الناجحة التي خاضوها مع بعضهم.
مملكة تشامبا:[146] على الرغم من أن الملك "في إندراورمان" عبّر عن رغبته بقبول حكم أسرة يوان عام 1278، فإن أبنائه وأتباعه رفضوا هذا الخضوع تماما. خسر المغول معاركهم في تلك البلاد، وقُتل قائدهم فيها، إلا أنهم عادوا وهزموا جيش المملكة في عدد من المعارك المفتوحة عام 1283. أخذ ملك تشامبا يُرسل الهدايا إلى المغول بعد سنتين من هذه الحادثة، كي لا يغزوا هؤلاء بلاده.
الإمبراطورية الخميرية:[146] أعدم أحد الملوك الخمير مبعوثا مغوليا عام 1278، فتم إرسال مبوث ثاني في الوقت الذي كان فيه اليوانيون يحاصرون حصون تشامبا، ليُطالب بخضوع الإمبراطورية التام، ولكنه وضع في السجن، فأرسل الخان الكبير 100 خيّال مغولي إلى الخميريون، إلا أنهم وقعوا في فخ كان الأخيرون قد نصبوه لهم، وقُضي عليهم. طلب الملك الخميري عفوا من قوبلاي خان بعد هذه الحادثة، على الرغم من كل ما سبق، وأرسل له الهدايا عام 1285، خوفا من أن يُرسل عليه حملة أكبر بعد أن استشاط غضبا.
مملكة سوخوتاي وشيانغماي أو تياو: عندما أرسل قوبلاي خان قواتا مغولية لحماية تابعيه في بورما، رضخت بعض الولايات التايلندية، بما فيها سوخوتاي وتياو للهيمنة المغولية. قام الملك التايلندي "رام خاميانغ" وغيره من الملوك التايلنديون والخمير، بزيارة البلاط اليواني عدّة مرات لتقديم احترامهم وإخلاصهم للخان الكبير.[148]
دول الشرق الأوسط دافعة الجزية[عدل]
إمارة أنطاكية وإمارة طرابلس:[149] كانت هذه الدول الصليبية الصغيرة تدفع الجزية السنوية للمغول طيلة سنين عديدة، وكانت علاقة المغول بفرنجة أنطاكية وغيرها عبارة عن علاقة السيد الأعلى بتابعه. فقد المغول تابعيهم وحلفائهم الفرنجة عام 1268 عندما سقطت أنطاكية بأيدي المماليك، وعام 1289 عندما سقطت طرابلس.
إمبراطورية طرابزون: هُزم السلاجقة والقوات العسكرية الطرابزونية على يد المغول في معركة جبل كوسي عام 1243، فأجبر سلطان قونية، غياث الدين كيخسرو بن كيقباد، على دفع الجزية وتأمين الخيول الأصيلة، كلاب الصيد، والمجوهرات إلى المغول بشكل سنوي. كان إمبراطور طرابزون "مانويل الأول" يُراقب ما حدث، فأدرك أنه لن يقدر على المغول، فسارع إلى إبرام السلام معهم، وأصبح تابعا لهم، بشرط دفعه لجزية سنوية. بلغت الإمبراطورية أقصى درجات ازدهارها خلال عهد الإلخانات، وأصبحت قادرة على تصدير إنتاجها الزراعي والصناعي الفائض، ولكن بعد سقوط إمبراطورية المغول عام 1335، أخذت طرابزون تعاني من غزوات الأتراك المتكررة، الحروب الأهلية، والمكائد المحلية.[150]
الدول التابعة[عدل]
الدول الصغيرة في شبه الجزيرة المالاوية: أرسل قوبلاي خان مبعوثيه إلى الدول المحيطة بدولته طالبا منهم الخضوع التام، ما بين عاميّ 1270 و1280، فقبلت معظم الدول في الهند الصينية وشبه الجزيرة المالاوية هذه المطالب. يقول ماركو بولو أن هؤلاء الأعيان كانوا يرسلون إلى البلاط المغولي الجزية والهدايا، التي شملت الفيلة، وحيدات القرن، الجواهر، وسن يعود لبوذا. يقول أحد الباحثين أن هذه الهدايا تعتبر أكثر شعائرية بنحو ما. خضعت بعد البلاد الصغيرة في شبه الجزيرة المالاوية وسومطرة للمغول أثناء حملتهم على جاوة عام 1293، وأرسلت إليهم مبعوثيها أو بعض الأسرى، كما ساعد السكان الأصليون لجزر الفلبين وتايوان الأسطول الحربي المغولي، إلا أن بلادهم لم يتم غزوها على الإطلاق.
الإمبراطورية البيزنطية:[151] عندما اعتقل الإمبراطور "ميخائيل الثامن باليولوج"، دبلوماسيّا مصريّا، أصرّ السلطان الظاهر بيبرس، على أن يقوم حليفه بركة خان بمهاجمة البيزنطيون. وفي عام 1265، قاد "نوغاي خان" حملة عسكرية مغولية على تراقيا البيزنطية، عن طريق بلغاريا، وفي ربيع 1265 تمكن من هزم جيوش الإمبراطور وقام بتحرير الديبلوماسي المصري والسلطان السلجوقي السابق "عز الدين كيكاوس بن كيخسرو". هرب معظم البيزنطيون في تلك المعركة بدلا من أن يُقاتلوا، واستطاع الإمبراطور الفرار بمساعدة بعض التجار الإيطاليين. قام المغول بنهب تراقيا بعد هذا، وأبرم الإمبراطور معاهدة سلام مع بركة خان، حاكم القبيلة الذهبية، وزوّج ابنته إلى "نوغاي"، كما أرسل الكثير من الأقمشة الثمينة كعربون للسلام الجديد. أما بلاط بيزنطة، فكان على الرغم من كل ذلك، على علاقة طيبة بالقبيلة الذهبية والإلخانات على حد سواء، حيث كانوا جميعا حلفاء.